شارع الألفي ..... تحفة معمار القاهرة الخديوية
في مشهد يجمع بين الرقي والفخامة وعبق التاريخ تطل علينا
شوارع وبنايات القاهرة الخديوية وسط العاصمة التي أسسها الخديوي إسماعيل والتي لا
تقل جمالاً عن باريس، وبنظرة متعمقة لهذه الشوارع نجد "شارع الألفي بك"
صاحب التاريخ الطويل حيث عاصر الشارع أحداث تاريخية وفنية كان لها تأثيرًا كبير في
تشكيل وجدان المصريين فنيًا وسياسيًا.
موقعه
يصل شارع الألفي بين ميدان عرابي وشارع الجمهورية ويبعد
أمتار قليلة عن ميدان العتبة ولنقترب قليلاً ونتعرف أولاً على الشخصية التي تحمل
اسم الشارع .
من هو محمد بك الألفي؟!
ترجع تسمية الشارع إلى الأمير المملوكي "محمد بك
الألفي" الذي فر إلى الصعيد مع قدوم الحملة الفرنسية وظل هناك إلى أن جاء "محمد
علي باشا" إلى مصر وتوفى عام 1807م ويعد محمد بك الألفي أخر أمراء المماليك
فى مصر فكان إغتياله يعد هو نهاية حكم المماليك لمصر، وكان محمد بك الألفي من مماليك "مراد بك"
جلبه إحدى التجار إلى مصر عام 1189هـ ويعد من الشخصيات المثيرة للجدل فيقال أنه
أوشك أن ينتزع الملك من "محمد علي" فقد اشتهر الألفي شهرة عظيمة حتى إن
الدولة العثمانية كانت لا تخاطب غيره رغم أن "محمد علي" كان واليًا على
مصر وكان له قصر يقع على ناحية الشارع الذي سمى باسمه الآن وكان القصر يقع أمام
بركة الأزبكية التي ردمها الخديوي "إسماعيل" بعد ذلك وجعلها حديقة عندما
أنشأ "دار الأوبرا".
أما عن شخصية "الألفي" فيقول الجبرتي: "تَرَزن
عقله وانهضمت نفسه وتعلق قلبه بمطالعة الكتب والنظر في العلوم والفلكيات
والهندسيات وأشكال الرمال والأحكام النجومية والتقاويم ومنازل القمر ويسأل عمن له
إلمام بذلك ليستفيد منه واقتنى كتبًا في أنواع العلوم والتواريخ واعتكف بداره ورغب
في الانفراد بنفسه وترك الحالة التي كان عليها قبل ذلك.
قصة قصر الألفي ونابليون
يظل اسم الألفي مرتبط بقصره بالأزبكية وهو القصر الذي كان
أعجوبة عصره بما يحتويه من أعمدة رخامية ونوافذ من الخشب الثمين وتحف ونجف جاءته كهدية
من بعض أثرياء أوروبا وهو القصر الذي بمجرد أن انتهى من بنائه جاءت الحملة الفرنسية
على مصر ليختار نابليون قصر الألفي للإقامة فيه طوال فترة تواجده في مصر وبستان هذا
القصر كان المسرح الذي شهد قتل كليبر، فقد وضع الألفي تصميم قصره الهندسي بنفسه ورسم
له صورة في ورق كبير وكلف أحد أمرائه بتنفيذها وعندما حضر وجد خطأ قد حدث عن الرسم
الذي حدده فقرر هدم أغلب ما بُنى وأعاد تصميمه وأوقف أربعة من أمرائه على البناء كل
أمير على جهة من جهاته الأربع.
وأقام الألفي في قصره ستة عشر يومًا من آخر شهر شعبان
212هــ إلى منتصف شهر رمضان ثم ذهب إلى مقر حكمه في محافظة "الشرقية"وأصبح
القصر في عهد "محمد علي" مقرًا لمدرسة "الألسن" والتي أنشأها
"رفاعة بك رافع الطهطاوي" حتى احترق القصر في حريق القاهرة 26 يناير
1952م وأُقيم على أنقاضه فندق "شبرد".
تاريخ شارع الألفي
من بين شوارع وسط البلد
يشتهر حاليًا بأنه الوحيد الذي لا تعبره السيارات وفقًا لقرار صدر في منتصف التسعينات
تحول بعده لممر شهير ومتنزه للبسطاء من شعب مصر، لكن ما يجهله الكثيرين هو تاريخ هذا
الشارع العريق الذي يؤكده مبانيه القديمة ومنشآته الشهيرة حيث يعود تاريخ شارع الألفي
في وسط البلد إلى عهد الخديوي توفيق والذى سماه في بداياته بشارع التوفيقية حتى عام
1906 ثم تغير أسمه لــ" شارع الألفي".
فقد إكتظ الشارع قديمًا بالمحال التي يمتلكها أرباب
الحرف من «حياكه – وتصفيف شعر – ورسامين - وصناع التحف والحلي – والعجانين من
صانعي الفطائر والحلوى» لكن مع مرور الوقت تغير نشاط المحال ليتحول في معظمها إلى
مقاهي بلدي، وقبل فترة ليست ببعيدة كان خط الترولي يمر بالشارع قادم من العتبة،
إلى ميدان الجيزة، بجانب ووجود موقف للأوتومبيلات.
معالمه الشهيرة التاريخية
- ملهى «شهرزاد» : أسسته الفنانة "فتحية محمد" حيث كان أهم المدارس الفنية لتخريج فناني
المنولوج والغناء والرقص على مدى عقود طويلة بدأ من بديعة ماصبني وإسماعيل ياسين وشكوكو
ومحمد رشدي ونجوى فؤاد زينات صدقي إلى هياتم وأحمد عدوية ومها صبري في ثمانينات القرن
الماضي.
- مطعم عتيق يسمى «تيفيرنا» : أسسه تاجر يوناني يدعى "تيفيرنا" وظل يحمل اسمه
حتى الآن وعلى نفس الجانب يأتي مطعم الكباب الشهير «الألفي بك» الذي أسسه الحاج عبد
القوى عام 1938م فكان ملتقى الباشوات والبكوات ورجال الدولة وشاهدًا على أحداث فنية
بارزة ولا يزال المطعم محتفظًا حتى الآن برونقه وأناقته رغم مرور الزمن.
- مسرح يحمل «نيو أريزونا»: شهد قديمًا أروع العروض المسرحية للريحاني ويوسف وهبي، في
بداياتهم.
- عمارة «عدس»: ذات التصميم المختلف، يقال أنها كانت ملكاً لرجل مصري يهودي يدعى «داوود عدس»
وكان من كبار التجار المصريين.
- أول مقر لفندق شبرد: حيث أسس هذا الفندق الشهير عام 1841 مستر صامويل شبرد تحت
اسم فندق بريطانيا حيث كان في قصر محمد بك الألفي الذي إتخذه قائد الحملة الفرنسية
مقرًا لقيادة الحملة الفرنسية ثم تحول إلى مدرسة الألسن وأغلقت في عهد عباس الأول وموقعه
كان على حافة بركة الأزبكية عند تقاطع شارعي الألفي والجمهورية حاليًا.