جارى تحميل الموقع
5 الأحد , مايو, 2024
البوابة الالكترونية محافظة القاهرة

مقهى "ريـش"

 

 على أرض القاهرة وفي شارع طلعت حرب يقع أشهر مقاهي القاهرة حيث مقهى وتياترو ومطعم "ريــش كافيه" الذي ظل شاهدًا على العصر لفترة تمتد لأكثر من 100 عام منذ تاريخ إنشائه في 1908 لعب خلالها دورًا هامًا في تطور الحياة السياسية والثقافية والفنية في مصر المحروسة فبين جدرانه عقدت العديد من الندوات والصالونات الثقافية والسياسية التي حضرها أشهر مثقفي مصر مثل: "العقاد،طه حسين ،نجيب محفوظ" ففي سردابه الخفيه وجدت مطبعة منشورات ثورة 1919 وعلى مسرحه مثلت فاطمة رشدي، غنت أم كلثوم ،صالح عبد الحي ومازالنا نستكشف يومًا بعد يوم المزيد عن هذا المكان الذي تخطى كونه مقهى عاديً ليكون منتدى ثقافيًا وسياسيًا وملتقى للثوار.

 

المكان وسبب التسمية

يقع "ريش كافيه" بشارع طلعت حرب بالقرب من ميدان طلعت حرب "ميدان سليمان باشا سابقاً" وقد تأسس مقهى " ريش " عام 1908 على يد ثري ألماني ثم باعه لــ "هنري بير" أحد الرعايا الفرنسيين عام 1914 وقد أعطى له اسم "ريش" ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس التي ما زالت قائمة إلى الآن وتسمى "كافيه ريش".

 

ثم باعه لليوناني جورج أيفانوس الذي وسَعه وحسُن بنائه  ثم في عام 1960 باع اليوناني المقهى لأحد أبناء الصعيد وتحديدًا من "أسيوط" وهو "عبد الملاك ميخائيل" وبعد رحيله انتقلت ملكية المقهى إلى الورثة الذين أعادوا صياغة المقهى دفاعًا عن التراث والتاريخ، ولم يكن المقهى على صورته الحالية حيث كان يشرف على ميدان سليمان باشا وله حديقة مضاءة تعزف بها فرقة "أوركسترالية كلاسيكية" وتلتقي فيه النخب العائدة من أوروبا كما كانت تجلس فيه قيادات ثورة 1919.

 

زلزال 1992 يكشف تاريخ جديد لمقهى ريش

أن الزلزال الذي وقع في القاهرة عام 1992 أدى لحدوث بعض التصدعات بمبنى المقهى وتوقف المصعد بالعقار عن العمل وأثناء إزالة القفل الحديدي الخاص بالمصعد من مكانه بأسفل العمارة كانت المفاجأة الكبرى وهي اكتشاف سرداب خفي وجد بداخله مفاجأة تاريخية وهي المطبعة التي كانت تطبع فيها المنشورات السرية التي تحض على قيام ثورة 1919 وهو الأمر الذي جعل كثيرون يعتقدوا أن صاحب المقهى أثناء ثورة 1919 كان عضو في أحد أهم التنظيمات السرية لثورة 1919.

 

اغتيالات وثورات وتنظيمات سرية داخل ريش كافيه

في العام 1972 انطلقت من "ريش" كافيه ثورة الأدباء احتجاجًا على اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنعاني كما انه في ديسمبر عام 1919 وبين جدرانها قرر الجهاز السري لثورة 19 اغتيال يوسف وهبه" رئيس الوزراء "في ذلك الوقت وعميل الانجليز واختير لتنفيذ العملية "عريان يوسف سعد" فكان المقهى نقطة الانطلاق ومسرح الحدث لمحاولة اغتيال يوسف وهبه باشا رئيس الوزراء.

 

ففي صباح يوم 15 ديسمبر 1919 جلس عريان سعد الموظف بسكرتارية مجلس الشيوخ في حديقة مقهى ريش المطلة على ميدان سليمان باشا في ذلك الوقت ومن موقعه ظل يرقب زميله محمد حنفي الذي جلس تحت التمثال في الميدان وعندما أعطى محمد حنفي الإشارة إلى عريان سعد باقتراب سيارة رئيس الوزراء من شارع قصرالنيل في طريقه إلى رئاسة مجلس الوزراء قام عريان سعد واقترب من السيارة وألقى عليها قنبلتين انفجرتا ولكن رئيس الوزراء نجا من الحادث وحكم على عريان سعد بالأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات.

 

ملتقى الأدباء والمفكرين والسياسيين

كان ومازال كافيه ريش ملتقي لرجال الفكر والأدب والفن جيلاً بعد جيل فمن أشهر رواده في العشرينيات كان العقاد وطه حسين وفي الأربعينيات كان لويس عوض ورمسيس يونان ثم تبعه جيل السبعينيات ممثلاً في نجيب محفوظ  ومن رواد كافيه ريش أيضًا صلاح جاهين وعبد المعطى حجازي وعباس الأسواني طه حسين والعقاد وأحمد أمين ويحيى حقي ويوسف ادريس وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وأم كلثوم ورياض السنباطي وفاطمة اليوسف وصلاح عبد الصبور ونجيب سرور، ووثق عبد الرحمن الرافعي في كتابه (تاريخ مصر القومي 1914- 1921) مقهى ريش وقال  عنه ملتقى الأفندية من الطبقة الوسطى كما عرف مقرًا يجتمع فيه دعاة الثورة والمتحدثون بشؤنها أو شؤون البلاد العامة.

 

وكذلك كان كافيه ريش المكان الذي ينطلق من خيال الفنانيين والسريالية المصرية ورائدها رمسيس يونان كما يقال ان السينارست أسامة أنور عكاشة استوحى شخصيتي العمدة والباشا في مسلسله "ليالي الحلمية" من بعض رواد «ريش» كما استلهم شخصية الفتوة "زينهم السماحي" من شخصية قبضاي لبناني اسمه "سليم حداد" كان من رواد المقهى ويذكر بعض زبائن المقهى أن الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات كانا ممن يرتادون هذا المقهى  وكذلك الشاعر أحمد فؤاد نجم والروائي جمال الغيطاني والألماني فولكهارد فيندفور مراسل (ديرشبيجل(.

 

 ريش كافيه مسرحًا

لم يكن مقهى ريش مقهى عاديًا فقد تنوعت نشاطات المكان وجمعت ما بين المحل العمومي والبار والمقهى والمطعم وكذلك مسرحًا تقام فيه العديد من الحفلات الموسيقية والغنائية والفنية الشرقية وكان لكل نشاط ترخيص خاص.

 

وقد استخرج صاحب المقهى في ذلك الوقت جورج بوليتس بتاريخ 13 سبتمبر  1923ترخيص بإضافة تياتروا إلى نشاط المقهى وعندما طلب أيضًا الترخيص بعزف الموسيقى الكلاسيكية في الحديقة كان لابد وهو إجراء ومطلب حضاري في ذلك الوقت من جَمع توقِيعات جميع السكان وكلهم بلا استثناء كانوا من الأجانب  بالموافقة حتى لا يضار أحد من جراء العزف الموسيقى وبالفعل وقعوا بالموافقة على ذلك الطلب.

 

وفي بهو المقهى قدمت فرقة الفنان "عزيز عيد" فصولاً عدة من مسرحياته التي قامت ببطولاتها الفنانة روز اليوسف حيث تخللها بعض المونولوجات التي غنها الفنان محمد عبد القدوس والد الأديب إحسان عبد القدوس، كما مثلت داخل مسرحه مسرحيات لفاطمة رشدي وفاطمة اليوسف وغنى على مسرحه صالح عبد الحي وزكي مراد والد الفنانة ليلى مراد وقدم الشيخ أبو العلا محمد كوكب الشرق "أم كلثوم" التي كانت حينذاك قادمة من قريتها.

 

أم كلثوم تشدو في "تياترو ريش كافيه "

 يحتفظ أصحاب "ريش" بإعلان في جريدة "المقطم" الصادرة في يوم 23 مايو 1923 يقول: "تياترو كافيه ريش تطرب الجمهور يوم 31 مايو بلبلة مصر صاحبة الصوت الرخيم الآنسة أم كلثوم هلموا واحجزوا محلاتكم من الآن كرسي مخصوص 15 قرشًا دخول عمومي 10 قروش".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المرجع :

  • محمد سعيد السيد، كافيه ريش منارة الثقافة، مجلة دار الهلال: القاهرة جوهرة الشرق، يونيه 2009
  • مقهى ريش ويكيبيديا.
  • مقهى «ريش» يحمل ذاكرة القاهرة خلال 91 عاما موقع إيلاف.