للاستماع إلى الموضوع
نشأة وتطور الصحافة المصرية.... من الورقة إلى شاشات الحاسوب والهواتف، هكذا تغيرت
الأزمنة وتطورت المفاهيم والتقنيات، وأصبح الآن المصطلح الشائع بيننا الصحافة
الالكترونية، وباتت الصحافة الورقية كالموضة القديمة لكنها لازالت متواجدة
لراغبيها من الأجيال الكبيرة والذين لم يعتادوا تكنولوجيا العصر الحديث والتطور المعلوماتي
الضخم والسريع، فلا يستطيع شعب من الشعوب المتحضرة قديما أن يمضي حياته اليومية من غير صحف، هذه ظاهرة اجتماعية حديثة لا يشكك فيها أحد، والصحافة في ذاتها وسيلة لا غاية. فالصحافة هي المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالباً ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة المحلية والعالمية وغيرها، والإنسان بشكل عام محب للاطلاع والمعرفة بكل ما هو جديد حول العالم، وقبل ظهور الصحف كان الإنسان البدائي يعرف أخبار البلاد الأخرى من خلال السفن والرحالة الذين يتنقلون بين البلاد. فكانت الأخبار تأتي من الغرب والشرق ولكن بعد أن تقع بأيام أو شهور أو أعوام.
الصحافة الورقية الصحافة الالكترونية
نشأة الصحافة
المصرية:
اختلفت الرؤى حول نشأة الصحافة المصرية فهناك من يرى
أن الصحافة المصرية ظهرت في مصر مع قدوم الحملة الفرنسية سنة 1798م حيث اتى
نابليون بمطبعة وأصدر أول صحفيتين باللغة الفرنسية الأولى "كورييه
دوليجيبت" Courier De L'Egypteوالتي كانت تختص بنشر
أخبار مصر الداخلية في القاهرة والاقاليم للجنود الفرنسيين والجالية الفرنسية في
مصر، أما الجريدة الثانية فكانت "لاديكاد إجيبتين"La Decade Egypteinne"
لسان حال المجمع العلمي المصري فهي صحيفة علمية لدراسة شؤون مصر في شتى النواحي
الاجتماعية والأدبية والاقتصادية. وعندما
رحلت الحملة الفرنسية توقفت تلك الصحف عن الصدور.
الصحافة اثناء الحملة الفرنسية
وهناك أيضا من يرى أن الصحافة المصرية نشأت في عصر محمد علي، حيث شهدت
مصر منذ توليه الحكم عهدًا جديدًا، وبدأت مظاهر التجديد الإداري والاقتصادي تظهر
على الحياة في مصر، فكان على الوالي -محمد علي- أن يرى ضرورة متابعة ما يحدث في
الأقاليم والمصالح، وأن شئون الدولة صارت تحتاج إلى طريقة جديدة لإدارتها فقرر
«صناعة» صحيفة يستطيع من خلالها متابعة أعمال مديري المديريات. كما أراد الباشا أن
يستخدم «مطبعة بولاق» على نحو أفضل فطلب من كل دواوين الحكومة في الوجهين القبلي والبحري
أن يقوموا بإرسال خلاصة أعمالهم كل أسبوع ليتم جمعها وتبويبها وتصنيفها لعرضها
عليه وذلك من خلال صحيفة أطلق عليها «جورنال الخديوي» سنة 1826م وتم تكليف المسؤل عن تجميع بيانات الجريدة "محرر الأخبار حاليا" بجمع التقارير من الأقاليم وعرضها على الباشا من خلال الجورنال واصطحب معه
مجموعة من الكتاب ليخرج على أيديهم العدد الأول بالعربية والتركية.
تضمنت صحيفة الباشا إلى جانب الأخبار الرسمية
والحكومية بعض القصص من «ألف ليلة وليلة» فضلا عن بعض الاشعار والأمثال من التراث
العربي، وفى عام 1828 أدرك الباشا أن «جورنال الخديوي» على حالته لا يصلح أن
يقرأه الناس قائلا: قصر الأخبار على مأمورية ورجال دولته دون شعبه ليس من أصالة
الرأي في شيء، فلما "لاح هذا الشيء في ضمير الذات السنية" أمر بطبع شئون
الحكومة والمحكومين معًا في جريدة تنشر "عمومًا وقد سميت واشتهرت بــــ "وقايع
مصرية" وصدر العدد الأول منها في أربع صفحات باللغتين
العربية والتركية.
مطبعة بولاق قديما العدد الاول من جريدة الوقايع المصرية
واهتمت بنشر أوامر الحكومة وأخبارها
الرسمية وإعلاناتها، هذا إلى جانب نشر الأخبار الداخلية والخارجية التي تهم الناس،
ولم يكن محمد علي يقبل أن ينشر في صحيفته خبرا دون علمه وموافقته ولم يكن واردا أن
يحدث خطأ في الجريدة التي يصدرها الباشا بنفسه فقد قرر أن يشرف بنفسه، على محتوى
الجريدة ولم يكن من الجائز أن تذهب الجريدة إلى المطبعة قبل أن يراجع
مادتها بالتفصيل، حيث كان يرسل ملاحظاته للكتاب ويعنفهم إذا لزم الأمر، وتعرف الجريدة الآن باسم "وقائع مصرية" وينشر فيها القرارات الرسمية لرئيس الجمهورية والحكومة.
وربما الأزمة التي واجهت الصحيفة في بدايتها هي
عدم صدورها في مواعيد ثابتة وصارمة فحينا تصدر الجريدة ثلاث مرات في الاسبوع وحينا
تصدر مرة واحدة في الأسبوع. وفى أحيان أخرى كانت تمر فترة طويلة ولا تصدر الجريدة مما
اغضب ذلك الباشا وأصدر هذا الامر "من تأخر في إصداره أو تكاسلًا في إخراجه
اعتبر ذلك خللًا "للمصلحة" إذ "إن فائدة الجرانيل هي مطالعتها
وتحرير الاستعلامات بما يلزم للإجابة عنها في وقته" لذلك يعاقب الباشا موظفي
الجرنال المهملين منهم فيجازيهم "كنص القانون بالضرب 300 ضربة نبوت" إذ
إن اضطراب نظام الجرنال "قد أوجب اغبرار خاطره" ثم يقول في حاشية أمره
"إن عدم تقديمهم الجرنال حال بينه وبين معرفة معاملتهم للعباد وأنه لا يليق
تأخير المصالح لأجل راحة أنفسهم وبقاء عباد الله في التعب فيلزم المبادرة لترك
برزخ الاستراحة وإرسال الجرانيل في أوقاتها المقررة*.
حين تولى «رفاعة الطهطاوي» رئاسة تحرير الصحيفة
حاول بحسه الوطني رد الاعتبار للغة العربية وجعل الأولوية لها في النشر على حساب
اللغة التركية، كما حاول إيقاظ روح الانتماء العربي من خلال نشر مقتطفات من القصص والقصائد
من عيون الأدب العربي، كما أصدر "الجريدة العسكرية" التي اختصت بتفاصيل
الجيش وإن مضت الوقائع المصرية تنشر تنقلاته وترقيات ضباطه وتصور أفعاله المجيدة،
لكنها لم تتمكن من أن تلم بكل ما يتصل بحياة جيش يبلغ زهاء ثلاثمائة ألف جندي
وضابط، وقد طبعت هذه الجريدة العسكرية في مطبعة ديوان الجهادية في مستهل حملة
الشام سنة 1833، وقد أنكرتها الوثائق والمراجع قبل هذا التاريخ.
أثبت جرنال الخديوي والوقائع المصرية والجريدة
العسكرية أن ولي النعم كان يؤمن بقدر الصحافة وخطرها في المسائل العامة التي كان
يكرس حياته من أجلها، وقد أدى جرنال الخديوي وظيفته من حيث تمثيله للنظم القديمة،
كما أدت الوقائع المصرية رسالتها من حيث أنها كانت أكثر عمومية وأوسع إدراكًا
لمعنى الجريدة بصفتها الرسمية والعامة كما أنها كانت لسانًا طيبًا لإصلاحاته
وتنظيماته التي أدخلها في سنة 1826، وهكذا كان الغرض من الجريدة العسكرية، فقط
ارتبط وجودها باتساع الجيش اتساعًا لم يكن معهودًا من قبل، وقد مرت الصحافة
المصرية بالكثير من المراحل، وهذه أبرز المحطات في تاريخ تطورها:
الصحافة في الحكم العثماني:
شهدت الصحافة المصرية
تطورًا غير مسبوق في عهد الخديوي إسماعيل، لأنه كان يرغب في تحويل مصر إلى دولة
عصرية، لذا قام بإنشاء عددًا من المشاريع الضخمة، وإحدى أبرز هذه المشاريع توفير
وسيلة إعلامية تسهل عمل الجهاز الإداري في المقام الأول، وهو ما جعله يهتم بإنشاء
جريدة الوقائع المصرية، ولم يقتصر الامر على جريدة الوقائع، فسرعان ما أمر السلطان
بإنشاء جريدتين اخرتين لتكونا بمثابة الناطق الرسمي باسم الجيش المصري، وكان الغرض
الأساسي منهما نشر الأخبار والمعارف الحربية وغير الحربية بين أفراد الجيش وطلبة
المدارس العسكرية، وهاتين الجريدتين هما: "الجريدة العسكرية المصرية"
والتي صدرت في عام 1865م، و"جريدة أركان حرب الجيش المصري"
والتي صدرت في عام 1873م، ويُشار إلى أن الكتابة في هذه الجرائد اقتصرت على
العسكريين، لذا ومع زيادة أعداد المتعلمين في مصر في عهد الخديوي إسماعيل صدرت صحف
مدنية متنوعة، مثل (صحيفة يعسوب الطب، وصحيفة روضة المدارس).
الخديوي اسماعيل جريدة روضة المدارس
كما صدرت الصحف الأهلية
مثل "روضة الأخبار "سنة (1875م) لصاحبها محمد أنس ابن عبد الله
أبو السعود بتأييد من الخديوي إسماعيل، و"الأهرام" سنة (1875م)
لصاحبها الاخوين اللبنانيين سليم وبشارة تقلا وكانت تنشر الأخبار المحلية وهى من
الجرائد التي ما زالت تصدر حتى الأن، كما شهدت الصحافة تطورا أثناء الثورة العرابية فكانت
الصحف المصرية في هذا الوقت بمثابة مسرح سياسي وفكري بين مؤيدي الثورة العرابية وبين معارضيها، وشهدت أقلام تلك الفترة تبدل
المواقف السياسية والفكرية لأصحابها، وهو ما ساعد على امداد الشعب بأفكار نيرة ساهمت في تشكيل مواقفه
القادمة، ومن أمثلة الصحف المؤيدة للثورة: (التنكيت والتبكيت للنديم، الطائف،
المفيد، الوقائع المصرية) بعد تولي محمد عبده رئاسة تحريرها وغيرها.......،بينما
كانت (الاعتدال والبرهان) من الجرائد المعارضة للثورة.
بشارة وسليم تقلا مؤسسي جريدة الاهرام
الصحافة خلال ثورة 1919:
وفيما يتعلق بأوضاع
الصحافة خلال ثورة 1919 فقد لعبت الصحافة دورًا لا يستهان به في إيقاظ الفكر
والعقل ونشر الثقافة والمعلومات الصحيحة لأهداف ثورة مصطفى كامل التي جاءت لمساعدة
مصر على استعادة شخصيتها وترسيخ هويتها بعد انقضاء فترة الاحتلال البريطاني وتحييد
آخر زعماء الحكم العثماني على البلاد عندها أيقن الشعب أن الارتقاء بالمواطن
المصري مرتبط بقوة تعزيز دور مصر، وتمت ترجمة ذلك من خلال الصحافة المصرية، وقد وصل
عدد الصحف المصرية إبان ثورة 1919 إلى 19 جريدة تصدر باللغة العربية وأثنين باللغة
الإنجليزية، ووصفت تلك المرحلة بأنها «مرحلة مهمة في تاريخ الصحافة المصرية».
الصحافة وثورة 1952:
استقبلت الصحافة المصرية هذه الحركة وفي مقدمتها
جريدة المصري خاصة وسائر صحف المعارضة عامة استقبالًا رائعًا مع تأييدها من غير
حدود، ولم تتحفظ في عرضها للأحداث، وكانت الصحيفة المصرية ومجلة روز اليوسف، في
مقدمة الجرائد التي ناصرت الجيش في حركته، وكان أصحاب الصحيفتين على علاقة وثيقة
برجال هذه الحركة قبل قيامها، وكانوا -فيما قيل- يطبعون في مطابعهم منشورات الضباط
الأحرار التي أرقت حياة الملك وأفزعت بطانته، ولعدة شهور تلت ذلك
اليوم كانت الصحف المصرية تؤازر "حركة الجيش" كما كانت تسمى في أيامها
الأولى، والتي أطلق عليها بعد ذلك لفظ "الثورة"، وجاءت صحيفة الأخبار
بعنوان تصدرت به الجرائد "'نقسم أننا سنخلص أرضنا شبرًا شبرًا''، ''الجيش
والشعب جبهة واحدة متراصة من أجل النضال والحرية وتحرير الأرض المحتلة''، والتي
جاءت على لسان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
الصحافة اثناء ثورة 1952
الصحافة في عصر التكنولوجيا:
فتح الباب على مصراعيه
أمام الجميع في القرن الواحد العشرين، فالتطور التقني سهل من نشر المعلومات
وإيصالها إلى أكبر قاعدة جماهيرية في غضون بضعة ثوان، وأصبحت صفحات الصحف
الإلكترونية هي الرائجة والأسهل والمتداولة على الحواسب النقالة أو الهواتف
الخلوية وغيرهم، فهي سريعة ويتم تحديثها عبر الساعة وليس كل 24 ساعة كما كان الأمر
قديماً ويمكن أن يزيد، وأخيراً نستطيع القول بأن الصحافة قديماً باتت مختلفةً كليةً
عن الصحافة الحديثة أو الالكترونية في طرق مزاولتها والأفراد القائمين عليها
والوسائل والطرق المتبعة للعمل بها لمواكبةً العصر الحديث، ومع التطور التكنولوجي
فقد أصبح المستقبل الآن لكل ما هو رقمي حديث يجمع ما بين السرعة والراحة.
المصادر والمراجع:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- تاريخ الصحافة المصرية: نجوى كامل.
- تاريخ الصحافة المصرية: رؤوف عباس.
- تقويم النيل – الجزء الثاني: امين سامي باشا.
- تطور الصحافة العربية في مصر: أنور الجندي.
- دراسة تاريخية ومعاصرة: عواطف عبد الرحمن.
- تطور الصحافة المصرية 1798- 1981: إبراهيم عبده.
- أمر من محمد علي في 24 المحرم سنة 1252هـ ،تقويم النيل، ج2، ص467".
- الصحافة المصرية في القرن التاسع عشر تاريخها وافتتاحياتها: رامي عطا صديق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ