جارى تحميل الموقع
24 الأربعاء , أبريل, 2024
البوابة الالكترونية محافظة القاهرة
دار الكتب والوثائق القومية
1 سبتمبر 2022
About

 

 

 

 

منذ ميلاد الحضارة المصرية القديمة على ضفاف نهر النيل الخالد، وانطلاقها نحو بناء إحدى أعظم الحضارات في تاريخ الإنسانية، ولأن تاريخ الورق أوثق بكثير من تاريخ البشر، فقد كانت الكتب والوثائق إحدى سبل الحفاظ على هذه الحضارة، وظلت عملية حفظ الكتب والوثائق عملية حيوية ورثناها جيلا بعد جيل، إلى أن وصلنا إلى تشييد دار الكتب والوثائق القومية.

دار الكتب والوثائق القومية 

                                                                                                             دار الكتب والهيئة العامة للكتاب

 

تُعَدُّ دار الكتب المصرية من أهمِّ منابر التنوير؛ ليس في مصر وحدها؛ وإنما في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، فهي لا تقوم بدورها كأكبر مكتبة وطنية في مصر فحسب، وإنما تضم إلى جانب ذلك مجموعة نادرة من الوثائق والمخطوطات التي تعود إلى عصور مختلفة، كما تضم مجموعة من المراكز المتخصصة في مجالات ثقافية متعددة،وبتطوُّر الزمن أصبحت دار الكتب تُساير التقدم العلمي، وتستخدم أحدث ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا في تقديم خدماتها لجمهورها المُتردِّد عليها، وفي سُبُل الحفاظ على مُقتنياتها التاريخية التي لا يُقدَّر بعضها بثمن.

 

الدفترخانة: 

يرجع الفضل في تأسيس عمليات حفظ الوثائق في مصر لعهد محمد علي؛ الذي أنشأ ما يُسمَّى بـ "الدفترخانة" لحفظ الوثائق في عام 1235هــ / 1829م وكان مقرَّها القلعة، ضمت مجموعات كبيرة من الكتب منها ما وجد في "خزانة الامتعة" التي احتوت على كتب عربية وتركية وفارسية وأوربية: ومكتبات الجوامع التي حصرها ديوان الأوقاف في عام 1265 هـ/ 1849م، ثم كلف رفاعة الطهطاوي بشراء ما ينقص "الدفترخانة"من المطبوعات الأوربية.

دار الكتب والوثائق القومية 

                                                 دار المحفوظات العمومية قديما                                                                         دار المحفوظات العمومية حديثا

 

علي باشا مبارك وإنشاء "الكتبخانة":

لاحظ علي مبارك أنَّ ثروة مصر من الكتب موزَّعة على المساجد الكبيرة الجامعة وقصور الأمراء والأثرياء وبيوت العلماء، وتنبَّه إلى خطورة هذا الوضع الذي يُنذر بضياع ثروة مصر الفكريَّة؛ حيث كان يشغل رئاسة ديوان المدارس، فرأى ضرورة إنشاء مكتبة كبيرة تضمُّ شتات الكتب المبعثرة في أماكن متعدِّدة، لحمياتها من الضياع والتبدُّد، فضلا عن أنه قد شاهد في أثناء بعثته إلى فرنسا المكتبة الوطنية في باريس، فأُعجب بها وأفضى برغبته إلى الخديوِى إسماعيل لانشاء مثيلتها بمصر، فأقتنع بالفكرة وأصدر الأمر العالي رقم 66 في 20 ذي الحجة 1286هـ -23 مارس 1870م بتأسيس الكتبخانة الخديوية المصرية، في سراي الأمير مصطفى فاضل باشا (شقيق الخديوي إسماعيل) بدرب الجماميز، تجمع فيها المخطوطات والكتب النفيسة التي وضعها السلاطين والأمراء والعلماء في المساجد والأضرحة والمدارس، فكانت بذلك أول مكتبة وطنية في العالم العربي، قامت على نمط دور الكتب الوطنية في أوروبا.

 

ويقول علي مبارك في ذلك: "زهر لي أن أجعل كتبخانة خديوية داخل الديار المصرية، أضاهي بها كتبخانة مدينة باريس، فاستأذنت الخديوي إسماعيل باشا، فأذن لي، فشرعت في بنائها، في سرايا مصطفى فاضل بدرب الجماميز، وجمعت فيها ما تشتت من الكتب التي كانت بجهات الأوقاف، زيادة إلى ما صار مشتراه من الكتب العربية والإفرنجية، وجعلت لها ناظراً ومعاونين وخدمة"، كما عين لها مفهرس من علماء الأزهر مسئول عن الكتب العربية، وآخر مسئول عن الكتب التركية، وفى 30 يونيو سنة 1870م انعقد بديوان المدارس اجتماع رأسه علي مبارك لوضع قانون دار الكتب الأوَّل ولائحة نظامها، التي تكوَّنت من 83 مادَّة، حدَّدت أقسام الدار واختصاصات العاملين بها، وأوقات فتحها للمتردِّدين عليها، ووضعت الضوابط التي يلتزم بها زوَّارها.

 

                                                          الخديوي اسماعيل                                                                                                   علي مبارك

 

وكانت النواة الأولى لمقتنيات الكتبخانة الخديوية نحو ثلاثين ألف مجلد، شملت كتب ومخطوطات نفيسة، جُمعت من المساجد والأضرحة والتكايا ومكتبتي نظارتي الأشغال والمدارس وقد اعتنى الخديوى إسماعيل كثيراً بتطويرها وزيادة أعداد محتوياتها من الكتب، فاشترى لها من ماله الخاص مكتبة أخيه مصطفى فاضل باشا بعد وفاته في اسطنبول، وكانت مكتبة لا نظير لها تضم 3458 مجلداً من نوادر المخطوطات ونفائس الكتب، كما كانت نواة المجموعة الأجنبية الأولى من الكتب هي كتب الجمعية المصرية التي ألَّفها بعض الأجانب الذين توافدوا على مصر عام 1836 ، وأُهديت إلى الكتبخانة عام 1873، ولم تتوقف الكتب عند هذا الحد فقد أوصى كثير من المفكرين والكُتَّاب على مرِّ السنوات بضم مكتباتهم الخاصة إليها بعد رحيلهم، وأهداها ورثتهم إلى الدار، وتضم المكتبات المهداة مجموعات كبيرة لمشاهير الأدباء والمفكرين أمثال الشيخ محمد عبده، وعمر مكرم، وعباس العقاد، وأحمد تيمور باشا، وأحمد زكي باشا، وغيرهم".

 

مراحل تطور "الكتبخانة" دار الكتب والوثائق القومية:

أخذت الدار في التطوُّر، ولحقها التحديث حتى صارت تضمُّ الوثائق القوميَّة بالقاهرة، أو الأرشيف الوطني المصري، وهو ما يقرب من 57 ألف مخطوط تتراوح بين برديَّات ومخطوطات أثرية ووثائق رسميَّة، مثل حجج الوقف ووثائق الوزارات المختلفة، وبذلك فهي أكبر مكتبة في مصر، تليها مكتبة الأزهر ومكتبة الإسكندرية الجديدة.

دار الكتب والوثائق القومية 

                                                              مكتبة الازهر                                                                                                    مكتبة الاسكندرية

 

في عام 1880 ضاقت الكتبخانة بمحتوياتها من الكتب والوثائق، فنقلت عام 1889م إلى الطابق الأول (المسمى السلاملك) من السراي نفسها،ومع تزايد أعداد الكتب أصدر الخديوي توفيق عام 1844 أمراً ببناء مبنى جديد يليق بحفظ تلك الذخائر العلمية والأدبية، ولكن هذا المشروع لم يتحقق، وفي عام1317ه/1899م وضع الخديوي عباس حلمي الثاني حجر الأساس لمبنى يجمع بين الكتبخانة الخديوية ودار الآثار العربية (متحف الفن الإسلامي حالياً) في ميدان باب الخلق (ميدان أحمد ماهر فيما بعد)،وخصص الطابق الأرضي من المبنى لدار الآثار العربية، وطابقه الأول بمدخل مستقل لدار الكتبخانة الخديوية،وافتتحت الكتبخانة أبوابها للمترددين عليها في أول عام 1904م. وقد تأثر تشييد هذا المبنى بنظام المتحف البريطاني الذي يحوي المكتبة الوطنية الإنجليزية عام 1974م.

دار الكتب والوثائق القومية 

                       اللوحة التذكارية لإنشاء الكتب خانة                            دار الكتب (ميدان باب الخلق قديما)                      دار الكتب (متحف الفن الاسلامي حاليا)

 

ومع بداية القرن العشرين ونمو حركة التأليف والترجمة في مختلف نواحي المعرفة وتحديدا عام 1930م اكتظت الدار بمختلف أنواع المقتنيات وبموظفيها وروادها من المطالعين، وطلبت الدار بإنشاء مبنى جديد لها يساير التطور العالمي في نظم المكتبات الحديثة في ذلك الوقت، وفي عام 1935 وقع الاختيار مبدئياً على أرض الحكومة بجهة درب الجماميز، واختير موقعا "بأول شارع تحت الربع"، لقربه من مكان الدار في ذلك الوقت، ورأى المجلس عام 1938 م أن خير موضع تُبنى فيه دار الكتب هو أرض سراي الإسماعيلية، وقرر في مارس من نفس العام الشروع في عمل مسابقة عالمية؛ لوضع التصميمات اللازمة للمبنى الجديد، وفى يونيو من العام نفسه وافق المجلس الأعلى للدار على الرسم التخطيطي للمبنى الجديد، ووُضعت الخطة بحيث يبدأ البناء عام 1939، إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية قد اعاق ذلك.

 

وفي عام 1959، طالب ثروت عكاشة- وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى لدار الكتب في ذلك الوقت- بتمويل مشروع المبنى الجديد للدار، من ريع أوقاف الدار، وبالفعل تم وُضع حجر الأساس للمبنى الجديد على كورنيش النيل برملة بولاق في 23 يوليو 1961، تم نقل مقتنيات الدار والموظفين إلى المبنى الجديد تدريجيا ابتداء من 1971 وحتى 1978م، وتم نقل المكتبة المركزية من قصر عابدين إلى مبني باب الخلق، وبالرغم من أن هذا المبنى خُصص في الأساس لدار الكتب المصرية ومراكزها العلمية إلا أنه عند افتتاحه عمليا لم يخُصص لدار الكتب وشاركته الهيئة المصرية العامة للكتاب - التي أنشئت عام 1971 – ليضم المبنى دار الكتب المصرية ودار الوثائق القومية ودار التأليف والنشر، وتم افتتاحه في الثامن من أكتوبر 1979،ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا المبنى الجديد يعرف باسم " الهيئة المصرية العامة للكتاب" إلى أن صدر القرار الجمهوري رقم (176) لسنة 1993م بإنشاء "الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية"، والتي أصبحت تشغل حالياً المباني والمنشآت الآتية:

  • المبنى التاريخي لدار الكتب بباب الخلق.
  • مبنى الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بكورنيش النيل.
  • مبنى مخازن الهيئة بساحل روض الفرج (المبيضة).
  • مباني المكتبات الفرعية موزعة بأرجاء القاهرة الكبرى.

وعلى الرغم من أن دار الكتب قد انفصلت عملياً بمقتضى القرار الجمهوري - سالف الذكر- عن الهيئة العامة للكتاب، وأصبح كل منهما هيئة مستقلة، إلا أنه منذ هذا التاريخ (1993) يشارك كل منهما الآخر في مبنى كورنيش النيل.

 دار الكتب والوثائق القومية

              قرار رئيس الجمهورية بإنشاء الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية                      مبنى دار الكتب والهيئة العامة للكتاب بكورنيش النيل

 

مسميات الدار :

أُطلقت عدة مسميات رسمية على دار الكتب وتغير اسمها على مر الزمن فكان اسمها عند نشأتها عام 1829م "الدفترخانة" ثم "الكتبخانة الخديوية المصرية " عام 1870 م، ثم "دار الكتب الخديوية" (1892- 1914)، ثم "دار الكتب السلطانية" (1914– 1922)، ثم "دار الكتب الملكية" ( 1922- 1927)، ثم دار الكتب المصرية (1927- 1966)، ثم "دار الكتب والوثائق القومية" (1966- 1971)، ثم "الهيئة المصرية العامة للكتاب" (1971- 1993)، وأخيراً أطلق عليها "الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية" منذ (1993وحتى الآن).

 

الخدمات التي تقدمها الدار:

تقدم العديد من الخدمات من بينها إتاحة الاطلاع على المُقتنيات التراثية المُختلفة عـن طريـق استخدام أجـهزة العـرض الميكروفيلمي، وإتاحة الاطلاع على الكتب التراثية، وكذلك دوائر المعارف والموسوعات وكتب التراجم من خلال نظام "الأرفف المفتوحة" بقاعات الاطلاع، وإتاحة قواعد بيانات مبنى دار الكتب بكورنيش النيل من خلال خط ربط بينه وبين مبنى باب الخلق، والعمل على توفير نسخة مصورة من المقتنيات (ورقي (C. D-، بالإضافة إلى خدمات الإنترنت وإقامة المؤتمرات والندوات العلمية والثقافية المُرتبطة بالتراث.

 

 مقتنيات الدار:

تضم قاعة العرض المتحفي بدار الوثائق مجموعة نادرة من المخطوطات في الدين والطب والفلك والأدب واللغة، مكتوبة باللغات العربية، التركية، والفارسية، يتم التعامل معها بعناية فائقة، وتُعَدُّ أحد كنوز مصر الثقافية التي تُعنى الدار بالحفاظ عليها، وتُتيح للباحثين والعلماء سُبُل الاستفادة منها مثل مخطوطات القرآن الكريم المكتوبة على الورق والجلد بعضها بالخط الكوفي القديم غير المنقط. كما توجد النسخة الوحيدة من " الرسالة في أصول الفقه" للإمام محمد بن إدريس الشافعي كتبها الربيع بن سليمان المرادي صاحب الشافعي عام 265ه.

دار الكتب والوثائق القومية 

                                                       مخطوطة القرآن الكريم                                                                          صورة من "الرسالة في اصول الفقه"

وتشمل الدار على عدد كبير من مخطوطات البرديات من مختلف أنحاء مصر بعضها يعود للقرن السابع أو قبله، وهي منجم معلومات عن الحياة الاجتماعية والحضارية في مصر منذ بداية الإسلام، وفيها مجموعات عثمانية وفارسية قديمة أيضا، وفى الدار قطع نقدية يعود أقدمها إلى 693م فضلا عن حجج الأمراء، والسلاطين والوثائق ومن أندر المقتنيات "وثائق مهمة عن تاريخ العرب وأفريقيا والخليج"، ووثائق المحاكم التشريعية منذ القرن السادس عشر ويرجع أهميتها إلى أنها تعطي صورة حقيقية عن تاريخ هذه الفترة التي تندر عنها المصادر المعرفية، حيث تتعرض لأحوال المجتمع من تجارة، علاقات اجتماعية، أساليب معيشية، قوانين، والمطلع عليها يمكنه من خلالها رسم صورة عن واقع المجتمعات في تلك الفترة،ووثائق عن علاقة مصر بالدول الأوربية. وعدد من اللوحات الفنية والألبومات التذكارية والعُملات والمسكوكات ومجموعة من الطوابع التذكارية.

 

المصادر والمراجع:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • دار الكتب المصرية تاريخها وتطورها:ايمن فؤاد سيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من الموضوعات "اضغط هنا"