جارى تحميل الموقع
29 الجمعة , مارس, 2024
البوابة الالكترونية محافظة القاهرة
تاريخ سك العملة الجزء الثالث
1 يونيو 2022
About
 

 



عزيزي القارئ بعد أن شاهدنا سويا كيف بدأت المسكوكات وكيف عربت وتطورت خلال العصر الاموي والعباسي والفاطمي والايوبي في الجزء
الأول والثاني نستكمل اليوم حديثنا في الجزء الثالث والأخير والذي نروي فيه تاريخ تطور العملة في العصر المملوكي والعصر العثماني.

 

​العصر المملوكي:

من أبرز العصور في تاريخ العملات الإسلامية، نظرا للتطورات التي طرأت على العملة في هذا العصر. وينقسم العصر المملوكي إلى عصرين:

الأول عصر المماليك البحرية وعرفوا بهذا الاسم لأن الملك الصالح الأيوبي أسكنهم قلعة في جزيرة الروضة، فنسبوا إلى بحر النيل، أو سمّوا بذلك لأنهم قدموا من وراء البحار، وهؤلاء حكموا مصر من سنة (648 -784هـ/ 1250-1382م).

                                                                                                                           جزيرة الروضة

 

 بدأ هذا العصر منذ تولي الملكة شجرة الدر الملك والعرش عام 648 هـ، عقب موت زوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب مباشرة وبدأت في سك عملة مختلفة تمامًا لكي تميز بها عصرها، وتم كتابة بعض النصوص على العملة مثل (المستعصمة-الصالحية-ملكة المسلمين-والدة المنصور خليل أمير المؤمنين) وعلى الوجه الآخر (لا إله إلا الله محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)، ولكن هذه العملة مختفية تمامًا ونادرة جدًا نظرًا لأن حكم الملكة شجرة الدر لم يستمر سوى شهرين.

دينار شجرة الدر

 

وبعدها جاء السلطان قطز الذي أصدر عملة مختلفة في زمنه وسجل عليها تاريخ انتصاره على المغول في المعركة الإسلامية الشهيرة عين جالوت، وذلك على العملات الذهبية والفضية، وحملت اسمه منفردًا وكانت على النحو التالي: “الملك المظفر سيف الدنيا والدين قطز”.

                                                                                                                             دينار السلطان قطز

 

وتعد عملات الظاهر بيبرس من أجمل العملات التي تم إصدارها في هذه الفترة.. لما احتوت عليه من نقوش جميلة، كما كان أول من تلقب بلقب "السلطان الملك" كمكافأة له على جهوده في إحياء الخلافة العباسية، وظهر على دنانيرٌه رنك السبع ولقب قسيم أمير المؤمنين، كما ضرب بيبرس "الدراهم الظاهرية" وزاد عيارها، وحازت على ثقة المتعاملين حتى نهايةٌ عصر الدولة البحرية.

دينار الظاهر بيبرس

 

أما العصر الثاني فهو عصر المماليك البرُجية أو الجراكسة وسُمّوا بذلك لأن السلطان قلاوون أسكنهم أبراج قلعة الجبل، وكانوا أكثر عددًا، وحكموا مصر من سنة (784 -923هـ/ 1382-1517م)، وتم إنشاء دار سك العملة في مدينة الإسكندرية، بجانب دار السك التي توجد بالقاهرة. ومن أهم السلاطين في هذه الفترة السلطان الأشرف خليل بن قلاوون ناصر الملة المحمدية ومحي الدولة العباسية. حمل السلطان هذه الألقاب بعد حملته ضد إماره عكا الصليبية والتي ظلت تحت حكم الصليبيين قرابة القرنين من الزمان. وكان فتح هذه المدينة عملا عظيما أثر في التاريخ الإسلامي والأوروبي، لذا كتب السلطان الأشرف خليل هذه الألقاب على نقوده إعلانا على هذا الحدث التاريخي.

 

السلطان الأشرف برسباي

انتشرت عملات دولة البندقية الإيطالية وشاع استخدامها بشدة نظرا لضبط وزنها وعيارها، فقام السلطان الاشرف برسباي بسك دنانير وحد فيها الوزن والعيار وجعلها مماثلة لعملات البندقية، وعرفت باسم الدنانير الأشرفية نسبة إليه. وكانت على النحو التالي:

 

الوجه: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"

الظهر: "عز لمولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر برسباي عزّ نصره"

                                                                                                                    دينار السلطان الاشرف برسباي

 

كما تميز عصر السلطان برسباي بإصلاح العملات الفضية وظهور فئات متعددة منها " درهم، ربع، نصف، ربع وثمن، ربع ونصف" وكانت فئة "ربع وثمن" هي أغرب هذه الفئات انتشارا، ولكن الأغرب هو عدم ظهور هذه الفئة قبل أو بعد ذلك.

 

العصر العثماني:

قامت الدولة العثمانية بسك العديد من العملات الذهبية، والنحاسية والفضية أثناء فترة حكمها وذلك لأن النقود لها أهمية كبيرة. الأمر الذي جعلها تقوم بسك العملات بأشكالها المختلفة، وأهم ما يميز عملة العصر العثماني الكتابات الواضحة والسهلة مما يسهل قراءة المنقوش عليها بكل سهولة، وبالأخص نقوش الخليفة العثماني في هذا التوقيت، كما انها انتشرت انتشار كبير جدًا، وظل التداول بها لفترة كبيرة جدًا من الزمان.

 

في بداية الأمر استمر ضرب النقود على الطراز الأشرفي في مصر، كما ضربت النقود الذهبية على غرار الدوكات الذهبية البندقية من حيث الوزن والعيار، نظرا لقوة الدوكات في التجارة العالمية في البحر المتوسط وبذلك أصبح للنقود العثمانية الذهبية الاستمرارية في التعاملات النقدية، وتميزت بخلو كتاباتها تماما من العبارات الدينية حيث كتب على الوجه اسم السلطان سليم واسم والده " بايزيد" والحق به ألقاب" السلطان" و"خان" بالإضافة إلى عبارة دعائية الأشهر " عز نصره" والتي كتبت تيمنًا بهؤلاء السلاطين العثمانيين واستمرت كتابتها طول العصر العثماني، أما الظهر فكتب عليه عباره " ضارب النضر صاحب العز والنصر "وهي أول الصيغ وأقدمها التي كتبها العثمانيون على نقودهم، وتعني عبارة " ضارب النضر" أي ضارب الذهب، وهذه الصيغة إشارة إلى تمجيد وتعظيم السلاطين الذين سكوا هذا الطراز وكان لهم الغلبة في البر والبحر.

 

كما تميزت النقود العثمانية عن مثيلاتها من نقود الدول الأخرى باستخدام أسلوب جديد ومبتكر في كتابة التواريخ المسجلة على هذه النقود حيث كتب عليها تاريخ تتويج السلطان العثماني على العرش بدلا من كتابة سنة السك الفعلية. ويرجع ذلك التغيير الذي طرأ على المسكوكات في عهد السلطان سليم هو منح العثمانيون اليهود السيطرة على دار الضرب، نظرا لتعاطفهم معهم، فقد وضع الوالي خاير بيك ولي مصر المعلم إبراهيم اليهودي على دار الضرب. 

 

مثال لنقود سليم الأول:

الوجه: سلطان سليم خان بن بايزيد - خان عز نصره - ضرب بمصر 924.                         

الظهر: ضارب النضر - صاحب العز والنصر - في البر والبحر. 

 

دينار ضرب بمصر مؤرخ بعام 924 هـ

 

ويتميز هذا الطراز باستمرار التأثيرات المملوكية المتمثلة في كتابات الوجه والظهر في أسطر أفقية، أما الجديد فهو ظهور زخرفة الأمواج المنكسرة المتجه من اليسار إلى اليمين والتي تفصل ما بين سطور كتابات الظهر، وكذلك نقش النجمة السداسية التي عرفت في الديانة اليهودية بنجمة دواد بين ثنايا كتابات الظهر حيث نقشت بشكل صريح على هيئة مثلثين متقاطعين.

 

السلطان سليمان القانوني 926 ه (المشرع)

أصدر قانون نامه وضع فيه ضوابط العمل في دار الضرب، كما استمر على نفس الطراز، ولكنه أطلق على النقود " الزر محبوب" وهي كلمة فارسية (فزر تعني الذهب، ومحبوب تعني العزيز)، كما أضاف كلمة السلطاني وهي نسبه إلى السلطان سليمان.

 

مثال لدينار السلطان القانوني:

الوجه: سلطان سليمان شاه - بن سليم خان عز نصره - ضرب في مصر 926هـ.                             

الظهر: ضارب النضر - صاحب العز والنصر - في البر والبحر.

 
دينار السلطان القانوني

 

النقود الذهبية في عهد السلطان مراد الثالث بن سليم 982هـ - 1300ه:

اخضع بلاد القرم وهزم النمسا وكان قاب قوسين او أدني من إيطاليا، وضرب النقود على طرازين: الأول الطراز الذي كان سائد في مصر منذ السلطان سليم، والثاني طراز بصيغه حديثة (سلطان البرين -خاقان البحرين – السلطان بن السلطان).

 

السلطان مصطفى الثاني

سار على نفس درب من سبقوه وضرب النقود على طراز الزر محبوب، كما أصدر النقود الذهبية المعروفة بـ " الطغرى- الطغراء"، ولم يكن اول من سك هذا الطراز ولكن في عصره كان ظهوره بشكل واسع على النقود الذهبية والنحاسية، مع المحافظة على صيغة "سلطان البرين" في كتابات الظهر، أما الوجه فكان مشغولا في الجزء العلوي منه بطغراء باسم السلطان مصطفى خان بن محمد واسفلها العبارة الدعائية "عز نصره" مع تاريخ ومكان الضرب. 

 

دينار السلطان مصطفى الثاني

 

وعن اصل كلمة "طغرى- طغراء" قيل ان اصلها فارسي اعجمي تعنى ( التوقيع بالقلم بالشكل المرسوم )، وقيل انها مشتقه من التركية طغراء او تورا تعني ختم الخاقان او الملك وأمره واصلها من لغة الأوغور، والأرجح أنها من اصل تركي مشتق من اللفظ الأوغوزي " تفراغ"  او طفراغ وتحولت الى طغراء  وهي تعنى ختم الملك على الجياد حتى لا يستخدمها غيره  وكانت تقتصر على اسم السلطان والقابه، أما عن تحولها من تفراغ أو طفراغ  إلى طغراء فناتج عما درج عليه الاستعمال في قواعد اللغة العثمانية من اسقاط حرف الغين الذي يخرج من الحلق في نهاية الكلمات.

 

تطور ظهور الطغراء

اخذ العثمانيون الاتراك استخدام الطغراء عن السلاجقة منذ حكم السلطان أورخان بن عثمان وكان لها شكلان من اشكال الطغراوات الاولى تحمل تاريخ 1324م اسم السلطان والاب في البداية واستمرت هذه الطغراء حتى عهد السلطان محمد جلبى، والثانية سنة 1348م   اضيفت كلمة "خـــــان" ثم عبارة "مظفر دائما" في عهد مراد الثاني واستمرت طوال العصر العثماني. فكان كل سلطان يتولى العرش يأمر بعمل طغراء خاصة به. وقد عرفت الطغراء في الوثائق التاريخية أسماء متعددة مثل "نيشان همايون" او "توقيع همايون" او "علامت شريف" او "طغراى غرا"، ونتيجة لأهميتها في الاستخدام وضع السلطان موظف موكل لوضعها ورسمها على الدساتير والمناشير. وكان اول ظهور لها او استخدامها على الدساتير او الاوامر السلطانية في عهد محمـــــد الفاتح.

 

السلطان أحمد الثالث بن محمد 1115هــ

ضرب النقود على طراز الزر محبوب بشكل طغرالي، مع عمل بعض الاصلاحات النقدية، وتميزت النقود بانفراد الطغراء على الوجه فقط، وقد عرف بالذهب الاستانبولي ولكن في مصر أطلق عليها زنجيرلي والزنجير (او جنزير) هو إطار من حبيبات تشبه السلسلة يحيط بهامش العملة، والزنجيرلي أو الجنزرلي هو تحريف للكلمة الفارسية المركبة زنجير- لي فجنزير /تعني السلسلة ……و.لى / تعنى ذو………أي النقد ذو السلسلة، وقد ضرب في سنتين 1119-1122ه  استمر حتى سنه 1147ه وتم التوقف بدار الضرب عن صناعته.

الوجه: الطغراء فقط.

الظهر: تاريخ جلوس السلطان - مكان الضرب

       

ولكن في عهد الولي محمد باشا وصاحب دار الضرب داود باشا جلس مع الموردين لإعادة انتاج الزنجيرلى ولم يجد تعاون لذلك سكها في دار ضرب تابعه له في الجيزة، كما حاولت الدولة العثمانية اعادة الارتفاع بدار الضرب المصرية فضربت طراز جديد عرف بالفندقلى (البندقى ) نسبه الى مدينه البندقية بإيطاليا، ولم يكتفوا بضرب الفندقلى بل ضربوا انصاف وارباع الفندقلى.

 

أهم العملات التي ظهرت في الدولة العثمانية 

"القرش" من أهم العملات التي صدرت في تاريخ العملات الإسلامية.. وهو عملة تم سكها في العصر العثماني من الفضة سنة 1688م في عهد السلطان أحمد مصطفى الثالث، وكان القرش في هذا الوقت يساوي 10 بارات. البارة أحد العملات المهمة في تاريخ العملات الإسلامية التي كان يتم تداولها في العصر العثماني.. والبارة تعني المال، حيث تم سكها من معدن الفضة عام 1520 م.. وكان يبلغ وزنها في هذا الوقت 6 قيراط ونصف.

 

"البشلك" تم سكه من معدن النحاس والفضة.. حيث كان يحمل اللون الأحمر، وكان يساوي 5 قروش.

 

"البرغوث" تم سكه من معدن الفضة، وكان البرغوث الكبير يعادل 100 بارة.

 

"السحتوت" تم سكه من معدن النحاس.. ويعد من أصغر العملات في الحجم والقيمة في العصر العثماني.

 

"الليرة العثمانية" تم سكها من الفضة عام 1844م ولها عدة أسماء وفقًا لعهد السلطان التي كانت تصدر في عهده، وكانت كالتالي: (الليرة الحميدية) والتي تم سكها في عهد السلطان عبد الحميد، (الليرة المجيدية) والتي تم سكها في عهد السلطان عبد المجيد، (الليرة الرشادية) وهي التي تم سكها في عهد السلطان محمد الخامس رشاد بن عبد المجيد.. حيث تم الكتابة على وجه العملة بخط الثلث جملة “عز نصره ضرب”، بينما الوجه الخلفي لليرة تم نقش الطغراء العثمانية عليها، ويوجد العديد من فئات الليرة (فئة 1، 2، 3، 4، 5 ليرة عثمانية) وفئة (ربع ونصف ليرة)، وفئة (نصف، ربع، سدس وتمن مجيدي).

 

وظلت هذه النقود متداولة في معظم البلدان العربية نظراً لوقوعها تحت الإدارة العثمانية، واستمر التداول بهذه النقود حتى سقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، بعد ذلك وقع الوطن العربي تحت الاستعمار الأجنبي، وتم تداول نقود الدولة المستعمرة إلى أن تم استقلال الدول العربية، فأصبح لكل دولة عملتها الخاصة التي باتت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

 

المصادر والمراجع:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • السكة الإسلامية في مصر (عصر دولة المماليك الجراكسة): رأفت محمد النبراوي.
  • النقود العثمانية (تاريخها- تطورها- مشكلاتها): سيد محمد السيد محمود.
  • أثر اليهود على نقود السلطان سليم الاول في مصر: احمد محمود يوسف.
  • الطغراء على النقود العثمانية: أباظة محمد إبراهيم. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من الموضوعات "اضغط هنا"