جارى تحميل الموقع
18 الخميس , أبريل, 2024
البوابة الالكترونية محافظة القاهرة

التنورة من المولويه لفن فلكلوري مصري اصيل

 

أغمض عينيك وأبدأ بالدوران عدة مرات .. لكن سرعان ما ستصاب " بالدوخة " وستجد صعوبة فى الإتزان، فما بالك إذا عرفت أن هذا فناً فلكلورياً أصيلاً وتراثاً صوفياً عريقاً وفناً شعبياً استعراضياً نشأ في تركيا وتطور في مصر وسمي برقص التنورة ، فالتنورة يعتبرها البعض سعي دءوب؛ لتطهير النفس مما علق بها من شوائب، فهي رقصة تؤدى فى حركات دائرية يدور الراقصون كالكواكب في السماء علي إيقاع الإنشاد الدينى في شكل مؤثر في النفس والبصر.

 

وتبدو الرقصة كالحلم فتجد تنورة الراقص - مع الدوران - ترتفع إلى أعلى حتى يختفي داخلها كالفراشة التى ترفرف بجناحيها وألوانها الزاهية ، فالتنورة دعوة مجانية للولوج إلى عالم روحاني ترتقى فيها لمرتبة الصفاء الروحى و تنفصل أثناء مشاهدتك عروضها عن العالم المادى إلى عالم أكثر رقياً.

 


أ

لوان جذابة ولوحة فنية للتنورة                                                     

والتنورة لها ألوان جذابة تمتزج جميعاً فى لوحة فنية رائعة أثناء دوران "الحاناتي" فى حركات متقنة ومحسوبة بدقة ؛ لينتج عنه مهرجاناً فنياً فريداً لاتستطيع منع نفسك من إمعان النظر في الرقصة ، فترى " الحاناتي " يرتدي ثلاثة أو أربعة تنورات تزن الواحدة منهم حوالي ثمانية كيلوغرامات ، وأسفل التنورات يشد ظهره بحزام ملفوف على نصفة الأعلى حتى يساعده على آداء الحركات بسلاسة أثناء إرتدائه التنورات.  

 

أداء خاص لـ الحاناتي

وتصنع التنوارت من القماش الخشن الذي يصنع منه قماش الخيامية ؛ ليتحمل الاستخدام الشاق لتيارات الهواء المتدفقة أثناء الدوران ، ويبدأ لف الحاناتي من اليسار إلى اليمين  - عكس اتجاه عقارب الساعةـ ويكون ذراعه الأيمن متجهاً إلى السماء والأيسر إلى الأرض ، وكلما زاد صوت إيقاع الإنشاد الديني كلما ازدادت سرعة لفه، ويبدأ بخلع سترته العلويه ومن ثم التنورات كل واحدة تلو الأخرى بعد تقديم بعض العروض بهم ،وتشمل عروض التنورة أيضاً استخدام الدفوف والفانوس الذي يعتبر أصعب عروض التنورة ،وينتهي الحاناتي من رقصته فى نفس النقطة التي بدأ وانطلق منها.

 

ولكل حركة من حركات الحاناتي تفسير ومعنى، فهو يشعر خلال الرقص أنه رمز الأرض ومركز الكون ويعتبر طبقتي تنورته الأرض والسماء؛ وكأنهما رمز للعالم قبل إنفصال الأرض عن السماء، وترمز حركة يديه إلى إنعقاد الصلة ما بين الأرض والسماء، مقتنعاً بأن الدوران حول الذات يخفف من كل شيء ويحلق به في السماء ، وبمجرد وصوله لمرحلة خلع التنورات فهذا يعني له أنه إرتقى و إرتفع ،بل إنه كلما تخلص من تنورة تخلص من تعلقه بالأرض؛ ليصل فى نهاية العرض إلى التخلص من الشق الأرضي ليرقى إلى الشق السماوي ويصل إلى النقاء التام وصفاء الروح.

 



تركيا وتاريخ كبير للتنورة

وقد إستلهمت رقصة التنورة من تركيا عندما ظهرت أول مرة فى  مدينة " قونية " فى القرن الثالث عشر ، فقد كان الشيوخ الصوفيين ينشئون "تكايا" لأبناء السبيل والفقراء والدراويش وكانت تضم حلقات ذكر  طورها الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي بعمل حلقة لاتقل عن أربعين درويشاً بملابس مختلفة الألوان.

 

وكان الدراويش يرددون لفظ الجلالة ومع كل ترديده يقومون بإحناء رؤوسهم وأجسادهم ويخطون بإتجاه اليمين فتلف الحلقة كلها بسرعة وبعد فترة قصيرة يبدأ أحد الدراويش بالدوران حول نفسه وسط الحلقة وهو يعمل برجليه معاً ويداه ممدوتان، ويسرع في حركته فتنشر تنورته على شكل مظلة وتظل لمدة عشر دقائق ثم ينحنى أمام شيخه الجالس داخل الحلقة، ثم ينضم إلى الدراويش الذين يذكرون اسم الله بقوة.

 

واستطاع المصريون – في أوائل الدولة الفاطمية – أن يبدعوا فن التنورة – كما هو معروف حالياً -  بعد أن استوحوه من المولية الصوفية ليتميزوا بفلكلور خاص بهم، فقد أضافوا آلات شعبية كالربابة والمزمار والصاجات والطبلة وأغاني وإبتهالات مصرية خالصة، بالإضافة إلى استخدام الدفوف والفانوس والألوان المزركشة أثناء الرقصات، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل أبدعوا فى استخدام الألوان على التنوره ؛ ليخرجوا بزي مختلف ومميز ملئ بالألوان الخلابة، ومع تطور العصور أضافوا مصابيح كهربائية صغيرة بمحيط التنورة تعمل ببطارية ويتم تشغيلها عن طريق زر صغير؛ لتضفي روحاً أخرى إلى تراث التنورة، وليعلنوا للعالم أن بصمتهم وفلكلورهم لن يستطيع الزمن طمسه مهما طال؛ بل يزيدهم فناً وإبداع.