جارى تحميل الموقع
29 الجمعة , مارس, 2024
البوابة الالكترونية محافظة القاهرة

الخيامية من التاريخ والفن إلى المستقبل

 

الخيامية".. فن مصري توارثته الأجيال

حضارة الأمم ورقيها وعظمتها تقاس بمقياس حساس يرتفع أو يهبط مع ارتفاع قيمة فنون هذه الأمم ورقيها وثقافتها، والحضارة في بدايتها كانت كلها من مصدر واحد هى محور الإنسان الأول وشعوره وإحساسه عندما بدأ يتعامل مع البيئة التي عاش فيها ثم انعكس هذا الاحساس والشعور عندما استخدم الخامات وصنعها بيده وطورها وأضاف إليها من مظاهر الجمال وتقدم الإنسان مع إكتشافاته ونمو فكره واحساسه، والمهتم أو الدارس لتاريخ الفنون يجد أنها عبارة عن حلقات متصلة تؤثر كل منها فى الأخرى أو هى مراحل كل منها تعبر عن عصر أو زمان وهى متعاقبة ومتصلة كل منها تدفع الأخرى حتى تبدأ المرحلة الثانية بانتهاء المرحلة الأولى.. وتتابعت هذه المراحل عبر الزمان حتى وصلت إلى زماننا هذا.

         ويعد "فن الخيامية" احدى الفنون الحرفية التراثية  التقليدية بمدينة القاهرة التاريخية.

 

تعريف الخيامية :-

تعد الخيامية من الحرف التي تتعامل مع القماش فهى فن الزخرفة بالقماش على القماش فبالإبرة والخيط يتم حياكة التصميمات المختلفة على الصواوين والخيام واللوحات والوسائد وغيرها فقد يستخدم القطن والقطيفة والحرير والستان والتيل إضافة الى أقمشة القلوع والجلود الرقيقة ويتم استخدام كل منها تبعاً لنوعية التصميم والطلب عليه وهو الذي يتكامل مع مهارة الفنان وليس لكلهما غنى عن الأخر.

 

وتصميمات الخيامية تتأرجح بين الجانبين النفعي والجمالي فمع تنوع الشكل والحجم والوظيفة تتعدد أيضاً المفردات والتراكيب والعناصر الفنية فقد يستلهم الفنان عناصره من التراث الشعبي بروافده التاريخية والدينية والاجتماعية وبين الاتكاء على العنصر التاريخي منفرداً حيث الطراز الفرعوني أو الروماني أو القبطي أو الإسلامي.

 



التطور التاريخي لفن الخيامية:-

يذكر بعض الباحثين والمحللين أن المصري القديم هو أول من عرف الخيامية في عصر بناء الأهرامات حيث كانت تستخدم كمظلة لرئيس العمال، أما الفرعون فكانت تُصنع له خيمة للرحلات فقد ذكر ماسبيرو في كتابه "المومياوات الملكية " أن هناك سرداقًا من الجلد اكتشف من الاسرة الحادية والعشرين وهو يعد من القطع الفنية النادرة بطريقة الإضافة ( الخيامية ) التي عثر عليها في خبيئة الدير البحري ونجد أيضاً أن بعض ملابس الفراعنة مزخرفة بشرائط مضافة عن طريق التطريز مثل رداء توت عنخ أمون الموجود بالمتحف المصري القديم، كما توجد مجموعة من الأشرطة والأحزمة المنقوشة زخرفت بطريقة الخيامية وأيضًا على الكراسي التي عثر عليها في مقبرة رمسيس الثالث وجدت "خداديات – وسائد" من القماش وبها زخارف مضافة بالقماش أيضاً والامثلة كثيرة في التاريخ المصري القديم.

 

أما عن العهدين اليوناني والروماني فقد استخدمت الخيمة في الجيوش العسكرية وكان لها شكل بيضاوي يكسى من الداخل بالحرير والفرو، وأيضاً ظهر فن الخيامية في الأشرطة والجامات المختلفة الأشكال والأحجام وبها زخارف مضافة بالخياطة مثل الزهور والعناصر النباتية والأشكال الهندسية البسيطة بألوان مختلفة،  وعن العصر " البيزنطي " فقد عرف الفنان القبطي فن الخيامية وابدع فيه من خلال أسلوب الكنارات وهى نسيج رفيع من القماش كأشرطة تحوي وحدات زخرفية ورسومات متتالية عبارة عن جامات أغلبها دائرية أو بيضاوية أو مربعة أو مستطيلة وبداخل هذه الجامات صور الأنبياء أو الملائكة يحيطها براويز هندسية أو ما يشبه الحبال والمصفورات وباقي الأرضية مشغولة بوحدات أو تفريغات نباتية بسيطة الخطوط وبعد أن يتم شغل هذه الكنارات تحاك بفتحات وأطراف الرداء كحليات زخرفية له وخاصة حول فتحة الرقبة والصدر وأطراف الأكمام وأطراف الرداء من أسفل.

 

وبلغت صناعة الخيام قمة الرقي قبل الفتح الإسلامي العربي ومع دخول الإسلام مصر ظهرت المنتجات المستلهمة من روح الدين الجديد، فظهرت الأعلام والبيارق لمشايخ الطرق فكان يكتب عليها لفظ الجلالة "الله" واسم الرسول الكريم محمد "صلى الله عليه وسلم" وكذلك أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة أبو بكر، عمر، عثمان، على  إضافة الى كثير من العبارات الدينية والآيات القرآنية.

 

والزخارف فمأخوذة من الإطارات العلوية للمساجد كما ظهر أيضاً كساوى الأضرحة المطرزة، والمعلقات الحائطية وهى لآيات قرآنية مثل " إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا " ...وغيرها منفذة بطريقة الإضافة ومحاطة بإطار خارجي على هيئة مستطيل أو دائرة إضافة إلى بعض الزخارف الإسلامية، كما ظهر معلقات تمثل البيئة الشعبية ومناظر الريف المصري وكلها منفذة بطريقة الإضافة والتطريز وعلى نفس المنوال ظهرت المفارش والستائر والوسائد وتلبيسات الأسقف بعرائسها ذات المشكاوات الملادة والتنورة كزي للراقصين الشعبيين في الطقوس الصوفية، علاوة على ملابس وحقائب السيدات وقد تطورت الخيامية بشكل عام في العصر الإسلامي وخاصة العصر المملوكي التي شهدت فيه الخيامية أوج ازدهارها في ظل تسابق الأمراء والسلاطين على اقتناء كل غال وثمين .

 



ومع نهاية ذلك العهد عام 1517 كانت بداية العهد العثماني الذي كان بمثابة الكارثة على الحرف والفنون اليدوية في مصر حيث رحل أصحاب ما يقرب من خمسين حرفة الى الأستانة وبدأت مصر في الإنجاب مرة أخرى حتى عصر محمد علي وتوجيهه البوصلة نحو ثقافة الغرب لإحلالها محل ثقافة الشرق، وقد حدث تدريجيًا حتى بلغ ذروته في عهد الخديوي اسماعيل الذي تحول فيه المزاج الشرقي صوب الغرب، مما أدى الى تقوقع الفنون الحرفية في حواري وأزقة القاهرة حتى عصرنا..  ومع مرور القرون وبكل ما يحدث من مخطط لمحو تراث وهوية الفنان المصري باسم فنون ما بعد الحداثة تشرق شمس يوم جديد بميلاد أبناء أصحاب هوية وأصل مصري ذو وعي وثقافة  قادرون على  إحياء التراث الفني وجماله من جديد وإستمرار فن الخيامية بأبسط وسائل التعليم وآليات التنفيذ في نشر أهمية التراث المصري لنا وللأجيال القادمة.