جارى تحميل الموقع
12 الأحد , مايو, 2024
البوابة الالكترونية محافظة القاهرة

التراث اليهودي في مصر




 مقدمة:

مصر أرض التسامح ومهد الأديان السماوية، وتهتم مصر بتراثها سواء كان فرعونياً أو يهودياً أو مسيحياً أو إسلامياً، ويرتبط الوجود اليهودي في  مصر بروايات تاريخية بداية  من قدوم النبي يوسف عليه السلام لمصر وترقيه مناصب هامه وتوليه خزينة الدولة المصرية،  ثم قدوم النبي يعقوب عليه السلام وعشيرته إلى مصر، وتشير تلك الروايات إلى أن عشيرة يعقوب تناسلت وكثرت مع مرور الوقت، حتى خرج منهم نبي بنى إسرائيل موسى عليه السلام، ثم خروجهم من مصر مع سيدنا موسى بعد تنكيل فرعون لهم، ثم عادو مرة أخرى في عهد إرميا النبي، تزامنا مع حكم ملوك الأسرة 26 الفرعونية، كما تمتع اليهود بالاستقرار في عهد البطالمة والرومان وتركزوا في القاهرة والإسكندرية وتمتعوا في مصر بالأمن والأمان، ومع مجي الفتح الاسلامي رحب اليهود بعمرو بن العاص لسخطهم من البطريرك يايروس السكندري.

 

ومع اختلاف الحقب التاريخية من عصر لأخر تعايش اليهود داخل المجتمع المصري، وتكتلوا في مناطق محددة في القاهرة أشهرها منطقة الموسكي والجمالية ودرب البرابرة، وحتى الان يوجد شارع يحمل اسمهم يُدعى "حارة اليهود"، واختلطوا مع جيرانهم المسلمين والمسيحيين واندمجوا معهم، كما كان لليهود مطلق الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية من حيث بناء معابدهم ومؤسساتهم الخيرية ومدارسهم ومعاهدهم الخاصة بهم، كما مارس اليهود مختلف المهن بحرية، فاحترفوا التجارة واشتغلوا بالصناعة، واتصلوا بالسلاطين لاشتغالهم بالمجوهرات، وقد دفع هذا التسامح بعض اليهود إلى اعتناق الإسلام وإتقان اللغة العربية وتعريب بعض دواوينهم وأعمالهم الأدبية، كما انخرط اليهود في سلك الحكومة ووصلوا إلى أعلى المراكز، وخلال العصور المتعاقبة ظلت الطائفة اليهودية في مصر لها مكانتها الاجتماعية حتى أصبحت في منتصف القرن العشرين من أرقى الطوائف اليهودية في بلاد الشرق.

 

الأثار اليهودية في القاهرة:

بدأ اليهود بناء المعابد الخاصة بهم في مصر مع نهايات القرن الـ 19، وازدادت الوتيرة خلال القرن الـ 20، وقبل التحدث عن المعابد اليهودية هناك بعض العناصر العامة الموجودة داخل المعابد مثل:

  • الهيكل: يوجد بالحائط الشرقي للمعبد "أي جهة بيت المقدس"، ويوجد به تابوت يسمى تابوت الشريعة توضع فيه الأسفار داخل صناديق، وهذه الأسفار مكتوبة على الرق والورق، ولا يجوز عندهم لمسها باليد عند القراءة، ويوجد أمام الهيكل مصباح دائم الإنارة.
  • المنصة: وهي عبارة عن بناء من الحجر أو الخشب يصعد إليه الواعظ عند إلقاء الخطبة أو الدرس وغالبا ما تكون المنصة في وسط المعبد، وتٌحاط بسياج، ويحيط بها صفوف من الكراسي والمقاعد التي يجلس عليها المٌصلين.
  • شرفة النساء: وهو مكان لتجميع السيدات وغالباً ما يكون بالدور الثاني، ويتم الصعود إليه من خلال سلالم تقع خارج المعبد وأحياناً داخله.

 

أولا-معابد اليهود:


وهو من أشهر وأفخم المعابد اليهودية؛ ويعرف بمعبد "شعار هاشامايم" (ومعناه "بوابة الجنة")، وبــ"معبد الإسماعيلية" ويقع المعبد بشارع عدلي حالياً، شارع المغربي، حي الإسماعيلية سابقاً "، بُني عام 1905 برعاية عائلات يهودية أرستقراطية على رأسها عائلة موصيرى، وليس للمعبد أهمية أثرية أو تاريخية لكونه مبنى في العصر الحديث، وإنما ترجع أهميته لكونه المعبد الرئيسي الذي تقام فيه بعض الشعائر من وقت لآخر سواء للأقلية اليهودية أو اليهود الأجانب الموجودين في القاهرة.

  

التخطيط المعماري للمعبد:

 عبارة عن مبنى مربع ذو طابقين، والتخطيط المعماري للمعبد هو نفس التخطيط السائر للمعابد بمصر والمعروف بالطراز البازيليكى؛ حيث يقسم الطابق الأول من الداخل إلى ثلاثة أقسام بواسطة أعمدة، القسمين الجانبين قاعة فسيحة للصلاة تسع نحو ألف مصلي، والوسط؛ فيوجد بالجهة الشرقية منه نحو بيت المقدس هيكل من الرخام يعلوه دولاب خشبي لحفظ أسفار التوراة باللغة العبرية يقابله منصة رخامية يقف عليها الحاخام للصلاة "، ويزخرف الجدران بأشجار النخيل ونجمة داوود، بالإضافة للزجاج الملون، وفي الطابق العلوي يوجد مصلى النساء.

  

ويضم المعبد مكتبة "التراث اليهودي بمصر"، التي أسسها مجلس الطائفة الإسرائيلية بالقاهرة بالتعاون مع المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة، وتزخر المكتبة بنوادر المخطوطات التي جمعت من المعابد اليهودية المصرية المغلقة، وسميت بـــ"مكتبة التراث اليهودي"، وافتتحها الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز عام 1990، كما يقع أسفل المكتبة قاعة صغيرة لاستقبال المصلين وإقامة الجنازات، ويضم المعبد أيضا "مدارس المجتمع"، وهي مدارس تعنى بتعليم أبناء الطائفة وقد تم تجديد المعبد بشكل كامل عام 1981 بإسهامات من المليونير اليهودي نسيم جالعون، و"اتحاد السفارديم العالمي".


موقع معبد عدلي على خرائط جوجل

 

معبد بن عزرا


يقع في منطقة الفسطاط بحي مصر القديمة، ويُعد هذا المعبد واحداً من أكبر وأهم المعابد، وخصوصاً مع تولي الحكومة المصرية رعايته وترميمه، وتحويله لآثار ومزار سياحي. بالإضافة لاحتواء مكتبته على نفائس الكتب والدوريات اليهودية التي تؤرخ لوجود طائفة اليهود في مصر.


موقع معبد بن عذرا على خرائط جوجل

 

معبد موسى بن ميمون


يقع في 15 درب محمود بالموسكي بحارة اليهود، وشيد هذا المعبد في نهاية القرن الـ 19 في نفس المكان الذي أقام فيه موسى بن ميمون إثر وصوله لمصر قداما من الأندلس، وظلت الشعائر الدينية تقام فيه حتى عام 1960، وفي عام 1986 سجل المعبد كآثار بسبب أهميته التاريخية والدينية والمعمارية، وينسب المعبد إلى عالم الدين اليهودي القرطبي موسى بن ميمون الذي ولد في عام 1135 م في قرطبة بالأندلس، وتوفي في مصر عام 1204، وكان موسى بن ميمون عالماً بارعاً في العلوم الدينية اليهودية وعلوم الطب والرياضة والفلسفة ويقال إنه كان الطبيب الخاص لأسرة صلاح الدين الأيوبي.

 

التخطيط المعماري للمعبد:

ينقسم المعبد إلى ثلاثة أقسام رئيسية، القسم الأول: عبارة عن قاعة مستطيلة. مخصصه للصلاة وإقامة الشعائر الدينية، ويكسو جدرانها الرخام ومكتوب عليه الوصايا العشر باللغة العبرية، وبجدارها الشرقي يقع الهيكل ودولاب حفظ الكتاب المقدس. وبالقرب من جدارها الغربي المنصة الخاصة بالحاخام وكذلك شرفة علوية خاصة بالنساء، كما يتميز تصميم المعبد بخلو قاعة الصلاة من الأعمدة الرخامية، بينما القسم الثاني فيشتمل على المدفن الخاص بموسى بن ميمون قبل نقل رفاته إلى طبرية بفلسطين، وكذلك الحجرة الصغيرة المجاورة للمدفن والتي اعتاد اليهود المرضى المبيت فيها طلبا للشفاء، وأهم العناصر بهذا القسم هو بئر المياه الذي كان يستخدم في التطهير، كما يذكر أن مياه البئر كانت تستخدم في معالجة المماليك، أما القسم الثالث فيتكون من بعض الحجرات المخصصة لرجال الدين والمشرفين على إدارة المعبد وكذلك الحمامات.

  


موقع معبد موسى بن ميمون على خرائط جوجل

 

معبد اليهود الإشكناز


يقع المعبد بـ 7 حاره النوبي المتفرعة من شارع الجيش بالعتبة، وتشير بعض المصادر إلى أنه قد شيد سنة ١٨٨٧م وأعيد بناؤه سنة ١٩٥٠م، ويُعتبر المعبد الوحيد لطائفة الإشكناز في مصر وهم "يهود الغرب".

 

التخطيط المعماري للمعبد:

يشغل المعبد مساحة مربعة الشكل، ويؤدي عدد من الدرجات الرخامية إلى مدخله الرئيسي الواقع بالجهة الغربية، ويحيط بصالة المعبد من الناحية الشمالية والجنوبية مقاعد خشبية لجلوس المصلين ويتوسطها منصة رخامية معروفة باسم "بيماة" حيث تدار الصلاة وتلقى المواعظ وهي مستطيلة الشكل، والهيكل يقع - كالمعتاد في سائر المعابد - في الجدار الشرقي ويصعد إليه بواسطة ثلاث درجات ويشمل دولابًا لحفظ أسفار التوراة يعلوه شكل لوحي الشريعة حفرت عليه الوصايا العشر باللغة العبرية ونجمة سداسية من الزجاج، ويوجد بالطابق الثاني من جهاتها الشمالية والجنوبية والغربية شرفة مخصصة للسيدات.

 

ثانياً: مقابر البساتين


هي ثاني أقدم مقابر لليهود في العالم بعد مقبرة "جبل الزيتون" في القدس، وأنشئت في القرن التاسع الميلادي، حيث خصص السلطان أحمد بن طولون موقع إقامة المقابر على مساحة 120 فدانا، واتساع مساحتها يؤكد تسامح الشعب المصري، وتضم رفات اليهود المقيمين بمصر قبل هجراتهم الجماعية منها، وتقع في الجهة الشرقية من حي البساتين، وهي مقسمة إلى مناطق مخصصة للطوائف اليهودية الربانية والقرائية.

  

ومن أشهر من دفن بمقابر اليهود "يعقوب بن كلس"، الذي عهد إليه الخليفة المعز لدين الله بولاية الخراج، ما يوضح درجة التسامح بين المسلمين واليهود، والحاخام "سعديا غاؤن" المعروف أيضا باسم "سعيد الفيومي"، وهو من اليهود المصريين الذين كتبوا الكتاب المقدس باللغة العربية ووضع أسس النحو العبري، واعتبر دوليا بوصفه الشخصية اليهودية والأدبية والسياسية البارزة في العصور الوسطى، وحوش عائلة الموصيري، ومقبرة الحاخام اليهودي حاييم كابوسي.

 

طقوس الدفن:

يحاول الشخص قبل أن يتوفى أن يردد صلاة "شمع"، وهي تعني "اسمع يا إسرائيل أن الرب إلهانا واحد"، وإذا لم يستطع ترديد هذه الصلاة فلابد من أحد أقربائه أن يرددها لأنها أقرب إلى الشهادة عند المسلمين مع الفرق. ثم تؤدي الصلاة على المتوفى واسمها "عليون نشماه"، أي صعود الروح، ومن الطقوس المتبعة أيضًا في الشريعة اليهودية عند وفاة الشخص هو أن يتم دفنه خلال 24 ساعة أو قبل المغرب.

 

شكل المقابر:

المقابر بها مقصورات؛ وتختلف طرق بناء المقابر على حسب أهمية الشخصية المدفونة، فمنها ما هو مغطى بالرخام بأشكال وأنواع مختلفة، حسب أهمية الميت، ومنها ما هو مغطى بالحجر، كما يوجد مقابر ذات مقصورات عالية ذات بهو كبير، وبها نقوش أغلبها مطموسة، ويشاع أن أغلب هذه المقصورات نٌبش وسٌرق مما أثر على معرفة صاحب المقبرة، كما أن هناك مقابر للأطفال، ومن المؤكد أن المقابر ذات المقصورات هي للحاخامات ورجال الدين والأثرياء من اليهود.


موقع مقابر البساتين على خرائط جوجل 



ينسب الحوش إلى عائلة موصيري التي نزحت من إيطاليا إلى مصر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وتنتمى إلى اليهود السفارديم واحتفظوا بالجنسية الإيطالية، وكان موصيرى يمثل المصالح الإيطالية في مصر، وحقَّق يوسف نسيم موصيري ثروته من التجارة، إلى أن توفي عام 1876، ترجع أهمية حوش الموصيري نظرا لاحتواه على العديد من الجنيزة (الكتب والوثائق والورق)، التي اكتشفت داخل الحوش، يوجد بداخل الحوش العديد من المدافن والتراكيب والقبور التي تنوعت في مساقطها الأفقية وأحجامها وأشكالها وكذلك زخارفها، كما تنوعت موادها التي شيدت منها ما بين الرخام والحجر والآجر، ومنها مدفن نسيم موصيري، ومدفن إيلي موصيري، ومدفن فيكتور موصيري وأسرته.

 

التخطيط المعماري للحوش:

يؤدي المدخل الرئيسي إلى ساحة الحوش حيث يجد الداخل عن يمينه حجرة مربعة يغلق عليها باب خشبي بسيط استخدمت كمخزن بالإضافة إلى حجرة بئر المياه وخلفها مكان الاسطبل، بينما يجد عن يساره سور حجري تتخلله أشغال الحديد بأشكال هندسية زخرفية وخلفه تقع مجموعة هائلة من التراكيب والقبور.

  

ثالثا المدارس:

وفقاً لما جاء في وثائق الجنيزا  من معلومات عن التعليم داخل الطائفة اليهودية في مصر، فقد كان التعليم هاماً وأساسياً  لدى اليهود؛ ففي العصر الإسلامي كان أطفال اليهود يبدأون تعلميهم في المنازل تعليماً خاصاً أو في مدرسة أعدت للتعليم الأولي حيث يدرسون اللغة العربية والحساب، وكان التلميذ يتوجه بعد ذلك للمعبد ليدرس الشرائع والقوانين اليهودية والتاريخ المقدس واللغة العبرية، ثم يأتي التدريب العملي بالمشاركة في خدمات السبت والاعياد اليهودية، كما كانت الجماعة اليهودية تتكفل بتعليم الفقراء واليتامى اليهود.

 

ومع نهاية القرن التاسع عشر اتجه اليهود لإنشاء المدارس اليهودية بدلا من المدارس المصرية التي كانت لغتها الأولى هي اللغة الفرنسية، وكانت الطائفة اليهودية تهدف من إنشاء هذه المدارس الخاصة بهم مجابهة النشاط التبشيرى الذي كان يمثل خطرا على فقراء اليهود، فقامت جماعة الأليانس والجمعيات اليهودية مثل جمعية " نقطة اللبن" بإنشاء المدارس في مصر.

 

مدرسة جمعية قطرة اللبن


أسسها ايزاك بنارويو عام 1915 في حي الظاهر، وكانت تهتم بالفقراء اليهود، وتمنح الأطفال كوب لبن في الصباح، لذلك تمت تسميتها بــ "قطرة اللبن"، ومازالت موجودة بالعباسية حتى الان، وتتبع الطائفة اليهودية، وتتضمن المدرسة على لوح رخامي كبير عند مدخل المدرسة مكتوب بالعبرية والفرنسية والعربية عنوان يدل على ماضي المبنى ويوضح أصحابه الحاليين

 

تخطيط المدرسة:

 تتميز المدرسة بأحجارها الحمراء وواجهة المبنى المزينة بشكل حجري على هيئة النخلة، وكانت المدرسة تحتوي على قسم ابتدائي وأخر للتعليم الثانوي وبجوار المدرسة حديقة للأطفال.